فصل: سنة ثلاث ومائتين وألف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.من مات في هذه السنة ممن له ذكر:

مات الإمام العلامة أحد المتصدرين وأوحد العلماء المتبحرين حلال المشكلات وصاحب التحقيقات الشيخ حسن بن غالب الجداوي المالكي الأزهري، ولد بالجدية في سنة 1128وهي قرية قرب رشيد، وبها نشأ وقدم الجامع الأزهر فتفقه على بلدية الشيخ شمس الدين محمد الجداوي وعلى أفقه المالكية في عصره السيد محمد بن محمد السلموني، وحضر على الشيخ علي خضر العمروسي وعلى السيد محمد البليدي والشيخ علي الصعيدي، أخذ عنهم الفنون بالإتقان ومهر فيها حتى عد من الأعيان، ودرس في حياة شيوخه وأفتى وهو شيخ بهي الصورة طاهر السريرة حسن السيرة فصيح اللهجة شديد العارضة، يفيد الناس بتقريره الفائق ويحل المشكلات بذهنه الرائق، وحلقة درسه عليها الخفر وما يلقيه كأنه نثار جواهر ودرر، وله مؤلفات وتقييدات وحواش، وكان له وظيفة الخطابة بجامع مرزه جربجي ببولاق ووظيفة تدريس بالسنانية أيضاً وينزل الى بلده الجدية في كل سنة مرة ويقيم بها أياماً ويجتمع عليه أهل الناحية ويهادونه ويفصلون على يديه قضاياهم ودعاويهم وأنكحتهم ومواريثهم ويؤخرون وقائعهم الحادثة بطول السنة الى حضوره، ولا يثقون إلا بقوله، ثم يرجع الى مصر بما اجتمع لديه من الأرز والسمن والعسل والقمح وغير ذلك ما يكفي عياله الى قابل مع الحشمة والعفة، توفي بعد أن تعلل أشهراً في أواخر شهر ذي الحجة، وجهز وصلي عليه بالأزهر بمشهد حافل، ودفن عند شيخه الشيخ محمد الجداوي في قبر أعده لنفسه رحمه الله تعالى.
ومات الإمام العلامة الفقيه المحدث النحوي الشيخ حسن الكفراوي الشافعي الأزهري، ولد ببلده كفر الشيخ حجازي بالقرب من المحلة الكبرى فقرأ القرآن وحفظ المتون بالمحلة ثم حضر الى مصر وحضر شيوخ الوقت مثل الشيخ أحمد السجاعي والشيخ عمر الطحلاوي والشيخ محمد الحفني والشيخ علي الصعيدي، ومهر في الفقه والمعقول وتصدر ودرس وأفتى واشتهر ذكره ولازم الأستاذ الحفني وتداخل في القضايا والدعاوى وفصل الخصومات بين المتنازعين وأقبل عليه الناس بالهدايا والجعالات ونما أمره وراش جناحه وتجمل بالملابس وركوب البغال وأحدق به الأتباع، واشترى بيت الشيخ عمر الطحلاوي بحارة الشنواني بعد موت ابنه سيدي علي فزادت شهرته ووفدت عليه الناس، وأطعم الطعام واستعمل مكارم الأخلاق، ثم تزوج ببنت المعلم درع الجزار بالحسينية وسكن بها، فجيش عليه أهل الناحية وأولو النجدة والزعارة والشطارة وصار له بهم نجدة ومنعة على من يخالفه أو يعانده ولو من الحكام، وتردد الى الأمير محمد بك أبي الذهب قبل استقلاله بالإمارة وأحبه وحضر مجالس دروسه في شهر رمضان بالمشهد الحسيني، فلما استبد بالأمر لم يزل يراعي له حق الصحبة ويقبل شفاعته في المهمات ويدخل عليه من غير استئذان في أي وقت أراد، فزادت شهرته ونفذت أحكامه وقضاياه، واتخذ سكناً على بركة جناق أيضاً، ولما بنى محمد بك جامعه كان هو المتعين فيه بوظيفة رئاسة التدريس والإفتاء ومشيخة الشافعية وثالث ثلاثة المفتين الذين قررهم الأمير المذكور وقصر عليهم الإفتاء، وهم الشيخ أحمد الدردير المالكي والشيخ عبد الرحمن العريشي الحنفي والمترجم، وفرض لهم أمكنة يجلسون فيها أنشأها لهم بظاهر الميضاة بجوار التكية التي جعلها لطلبة الأتراك بالجامع المذكور حصة من النهار في ضحوة كل يوم للإفتاء، بعد إلقائهم دروس الفقه، ورتب لهم ما يكفيهم وشرط عليهم عدم قبول الرشا والجعالات، فاستمروا على ذلك أيام حياة الأمير، واجتمع المترجم بالشيخ صادومة المشعوذ الذي تقدم ذكره في ترجمة يوسف بك، ونوه بشأنه عند الأمراء والناس وأبرزهم لهم في قالب الولاية ويجعل شعوذته وسيمياه من قبيل الخوارق والكرامات، الى أن اتضح أمره ليوسف بك فتحامل عليه وعلى قرينة الشيخ المترجم من أجله، ولم يتمكن من إيذائهما في حياة سيده، فلما مات سيده قبض على الشيخ صادومة وألقاه في بحر النيل، وعزل المترجم من وظيفة المحمدية والإفتاء، وقلد ذلك الشيخ أحمد بن يونس الخليفي، وانكسف باله وخمد مشعال ظهوره بين أقرانه إلا قليلاً، حتى هلك يوسف بك قبل تمام الحول، ونسيت القضية وبطل أمر الوظيفة والتكية وتراجع حاله لا كالأول، ووافاه الحمام بعد أن تمرض شهوراً وتعلل وذلك في عشرين شعبان من السنة، وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل، ودفن بتربة المجاورين ومن مؤلفاته أعراب الآجرومية، وهو مؤلف نافع مشهور بين الطلبة، وكان قوي البأس شديد المراس عظيم الهمة والشكيمة ثابت الجنان عند العظائم يغلب على طبعه حب الرياسة والحكم والسياسة، ويحب الحركة بالليل والنهار ويمل السكون والقرار، وذلك مما يورث الخلل ويوقع في الزلل، فإن العلم إذا لم يقرن بالعمل ويصاحبه الخوف والوجل ويجمل بالتقوى ويزين بالعفاف ويحلى باتباع الحق والإنصاف أوقع صاحبه في الخذلان وصيره مثلة بين الأقران.
ومات الشيخ العلامة المتفنن البحاث المتقن أبو العباس المغربي أصله من الصحراء من عمالة الجزائر، دخل مصر صغيراً فحضر دروس الشيخ علي الصعيدي، فتفقه عليه ولازمه ومهر في الآلات والفنون، وأذن له في التدريس، فصار يقرئ الطلبة في رواقهم وراج أمره لفصاحته وجودة حفظه، وتميز في الفضائل، وحج سنة 1182 وجاور بالحرمين سنة، واجتمع بالشيخ أبي الحسن السندي ولازمه في دروسه وباحثه وعاد الى مصر، وكان يحسن الثناء على المشار إليه، واشتهر أمره وصارت له في الرواق كلمة واحترمه علماء مذهبه لفضله وسلاطة لسانه، وبعد موت شيخه عظم أمره حتى أشير له بالمشيخة في الرواق، وتعصب له جماعة فلم يتم له الأمر، ونزل له السيد عمر أفندي الأسيوطي عن نظر الجوهرية فقطع معاليم المستحقين، وكان محجاجاً عظيم المراس يتقي شره، توفي ليلة الأربعاء حادي عشرين شعبان غفر الله لنا وله.
ومات الإمام الفقيه العلامة النحوي المنطقي الفرضي الحيسوب الشيخ موسى البشبيشي الشافعي الأزهري، نشأ بالجامع الأزهر من صغره وحفظ القرآن والمتون وحضر دروس الأشياخ كالصعيدي والدردير والمصيلحي والصبان والشتويهي، ومهر وأنجب وصار من الفضلاء المعدودين، ودرس في الفقه والمعقول واستفاد وأفاد ولازم حضور شيخنا العروسي في غالب الكتب فيحضر ويملي ويستفيد ويفيد، وكان مهذباً في نفسه متواضعاً مقتصداً في ملبسه ومأكله عفوفاً قانعاً خفيف الروح لا يمل من مجالسته ومفاكهته، ولم يزل منقطعاً للعلم والإفادة ليلاً ونهاراً مقبلاً على شأنه، حتى توفي رحمه الله تعالى حادي عشر شعبان مطعوناً، ومات العلامة الأديب واللوذعي اللبيب المتقن المتفنن الشيخ محمد بن علي بن عبد الله بن أحمد المعروف بالشافعي المغربي التونسي نزيل مصر، ولد بتونس سنة 1152 ونشأ في قراءة القرآن وطلب العلم وقدم الى مصر سنة إحدى وسبعين وجاور بالأزهر برواق المغاربة وحضر علماء العصر في الفقه والمعقولات ولازم دروس الشيخ علي الصعيدي وأبي الحسن القلعي التونسي شيخ الرواق وعاشر اللطفاء والنجباء من أهل مصر، وتخلق بأخلاقهم وطالع كتب التاريخ والأدب، وصار له ملكة في استحضار المناسبات الغريبة والنكات، وتزوج وتزيا بزي أولاد البلد وتحلى بذوقهم ونظم الشعر الحسن، توفي رحمه الله يوم الجمعة ثالث شعبان من السنة.
ومات صاحبنا الشاب الصالح العفيف الموفق الشيخ مصطفى بن جاد، ولد بمصر ونشأ بالصحراء بعمارة السلطان قايتباي، ورغب في صناعة تجليد الكتب وتذهيبها فعانى ذلك ومارسه عند الأسطى أحمد الدقدوسي حتى مهر فيها وفاق أستاذه وأدرك دقائق الصنعة والتذهيبات والنقوشات بالذهب المحلول والفضة والأصباغ الملونة والرسم والجداول والأطباع وغير ذلك، وانفرد بدقيق الصنعة بعد موت الصناع الكبار مثل الدقدوسي وعثمان أفندي بن عبد الله عتيق المرحوم الوالد والشيخ محمد الشناوي، وكان لطيف الذات خفيف الروح محبوب الطباع مألوف الأوضاع ودوداً مشفقاً عفوفاً صالحاً ملازماً على الأذكار والأوراد مواظباً على استعمال اسم لطيف العدة الكبرى في كل ليلة على الدوام صيفاً وشتاء سفراً وحضراً حتى لاحت عليه أنوار الاسم الشريف وظهرت فيه أسرار روحانيته، وصار له ذوق صحيح وكشف صريح ومراء واضحة، وأخذ على شيخنا الشيخ محمود الكردي طريق السادة الخلوتية، وتلقن عنه الذكر والاسم الأول وواظب على ورد العصر أيام حياة الأستاذ، ولم يزل مقبلاً على شأنه قانعاً بصناعته ويستنسخ بعض الكتب ويبيعها ليربح فيها، الى أن وافاه الحمام وتوفي سابع شهر ذي القعدة من السنة بعد أن تعلل أشهراً رحمه الله وعوضنا فيه خيراً فإنه كان بي رؤوفاً وعلي شفوقاً ولا يصبر عني يوماً كاملاً مع حسن العشرة والمودة، لا لغرض من الأغراض، ولم أرد بعده مثله وخلف بعده أولاده الثلاثة، وهم الشيخ صالح وهو الكبير وأحمد بدوي والشيخ صالح المذكور، هو الآن عمدة مباشري الأوقاف بمصر وجابي المحاسبة وله شهرة ووجاهة في الناس وحسن حال عشرة وسير حسن وفقه الله وأعانه على وقته.
ومات أيضاً الصنو الفريد واللوذعي الوحيد والكاتب المجيد والنادرة المفيد أخونا في الله خليل أفندي البغدادي، ولد ببغداد دار السلام وتربى في حجر والده ونشأ بها في نعمة ورفاهية، وكان والده من أعيان بغداد وعظمائها ذا مال وثروة عظيمة، وبينه وبين حاكمها عثمان باشا معاشرة وخلطة ومعاملة، فلما وصل الطاغية طهماز الى تلك الناحية وحصل منه ما حصل في بغداد وفر منه حاكمها المذكور قبض على والد المترجم واتهمه بأموال الباشا وذخائره ونهب داره واستصفى أمواله ونواله وأهلك تحت عقوبته، وخرج أهله وعياله وأولاده فارين من بغداد على وجوههم وفيهم المترجم، وكان إذ ذاك أصغر إخوته فتفرقوا في البلاد وحضر المترجم بعد مدة من الواقعة مع بعض التجار الى مصر واستوطنها وعاشر أهلها وأحبه الناس للطفه ومزاياه، وجود الخط على الأنيس والضيائي والشكري ومهر فيه، وكان يجيد لعب الشطرنج ولا يباريه فيه أحد مع الخفة والسرعة، وقل من يتناقل معه فيه بالكامل بل كان يناقل غالب الحذاق بدون الفرزان أو أحد الرخين، ولم أرد من ناقله بالكامل إلا الشيخ سلامة الكتبي وبذلك رغب في صحبته الأعيان والأكابر وأكرموه وواسوه مثل عبد الرحمن بك عثمان وسليمان بك الشابوري وسليمان جربجي البرديسي وكان غالب مبيته عنده ولم يزل ينتقل عند الأعيان باستدعاء ورغبة منهم فيه مع الخفة واطراح الكلفة وحسن العشرة، ويأوي الى طبقته ولم يتأهل ويغسل ثيابه عند رفيقه السيد حسن العطار بالأشرفية، وبآخرة عاشر الأمير مراد بك واختص به وأحبه فكان يجود له الخط ويناقله في الشطرنج وأغلق عليه ووالاه بالبر، فراج حاله واشترى كتباً وواسى إخوانه، وكان كريم النفس جداً يجود وما لديه قليل ولا يبقي على درهم ولا دينار، ولما خرج مراد بك من مصر حزن لفقده وبعد، وباع ما اقتناه من الكتب وغيرها وصرف ثمنها في بره ولوازمه، وعبه دائماً ملآن بالمآكل الجافة مثل التمر والكعك والفاكهة يأمل منها ويفرق في مروره على الأطفال والفقراء والكلاب، وكان بشوشاً ضحوك السن دائماً منشرحاً يسلي المحزون ويضحك المغبون ويحب الجمال ولا يؤخر المكتوبة عن وقتها أينما كان، ويزور الصلحاء والعلماء ويحضر في بعض الأحيان دروسهم ويتلقى عنهم المسائل الفقهية، ويحب سماع الألحان واجتماع الإخوان، ويعرف اللسان التركي ودخل بيت البارودي كعادته فأصيب بالطاعون وتعلل ليلتين وتوفي حادي عشرين رجب سنة تاريخه رحمه الله وسامحه، فلقد كانت أفاعيله وطباعه تدل على جودة أصله وطيب أعراقه وأصوله.
وما الجناب الأوحد والنجيب المفرد الفصيح اللبيب والنادرة الأريب السيد ابراهيم بن أحمد بن يوسف بن مصطفى بن محمد أمين الدين ابن علي سعد الدين بن محمد أمين الدين الحسني الشافعي المعروف بقلفة الشهر، تفقه على شيخ والده السيد عبد الرحمن الشيخوني إذ كان إمام والده، وتدرج في معرفة الأقلام والكتابة، فلما توفي والده تولى مكانه أخوه الأكبر يوسف في كتابة قلم الشهر، فلما شاخ وكبر سلمه الى أخيه المترجم فسار فيه أحسن سير واقتنى كتباً نفيسة وتمهر في غرائب الفنون، وأخذ طريق الشاذلية والأحزاب والأذكار على الشيخ محمد شكك، وكان يبره ويلاحظه بمراعاته، وانتسب إليه وحضر الصحيح وغيره على شيخنا السيد مرتضى وسمع عليه كثيراً من الأجزاء الحديثية في منزله بالركبيين وبالأزبكية في مواسم النيل، وكان مهيباً وجيهاً ذا شهامة ومروءة وكرم مفرط وتجمل فاخر عمله فوق همته سموحاً بالعطاء متوكلاً، توفي صبح يوم الأربعاء غاية شهر شعبان، بعد أن تعلل سبعة أيام وجهز، وصلي عليه بمصلى شيخون، ودفن على والده قرب السيدة نفيسة وخلف ولديه النجيبين المفردين حسن أفندي وقاسم أفندي أبقاهما الله وأحيا بهما المآثر وحفظ عليهما أولادهما وأصلح لنا ولهم الأيام.
ومات الإمام العلامة والجهبذ الفهامة الفقيه النبيه الأصولي المعقولي الورع الصالح الشيخ محمد الفيومي الشهير بالعقاد، أحد أعيان العلماء النجباء الفضلاء، تفقه على أشياخ العصر ولازم الشيخ الصعيدي المالكي ومهر وأنجب ودرس وانتفع به الطلبة في المعقول والمنقول، وألف وأفاد، وكان إنساناً حسناً جميل الأخلاق مهذب النفس متواضعاً مشهوراً بالعلم والفضل والصلاح، لم يزل مقبلاً على شأنه محبوباً للنفوس حتى تعلل بالبرقوقية بالصحراء، وتوفي بها ودفن هناك بوصية منه رحمه الله.
ومات صاحبنا الجناب المكرم والملاذ المفخم أنيس الجليس والنادرة الرئيس حسن أفندي بن محمد أفندي المعروف بالزامك قلفة الغربية، ومن له في أبناء جنسه أحسن منقبة ومزية، تربى في حجر والده ومهر في صناعته، ولما توفي والده خلفه من بعده وفاقه في هزله وجده، وعاشر أرباب الفضائل واللطفاء، وصار منزله منهلاً للواردين ومربعاً للوافدين، فيتلقى من يرد إليه بالبشر والطلاقة، ويبذل جهده في قضاء حاجة من له به أدنى علاقة، فاشتهر ذكره وعظم أمره وورد إليه الخاص والعام حتى أمراء الألوف العظام فيواسي الجميع ويسكرهم بكأس لطفه المريع مع الحشمة والرياسة وحسن المسامرة والسياسة، قطعنا معه أوقاتاً كانت في جبهة العمر غرة ولعين الدهر مسرة وقرة، وفي هذا العام قصد الحج الى بيت الله الحرام وقضى بعض اللوازم والأشغال واشترى الخيش وأدوات الأحمال فوافاه الحمام، وارتحل الى دار السلام بسلام وذلك في أواخر رجب بالطاعون رحمه الله.
ومات أيضاً الجناب العالي واللوذعي الغالي والرياستين والمزيتين والفضيلتين الأمير أحمد أفندي الروزنامجي المعروف بالصفائي، تقلد وظيفة الروزنامة بديوان مصر عندما كف بصر إسمعيل أفندي، فكان لها أهلاً وسار فيها سيراً حسناً بشهامة وصرامة ورياسة، وكان يحفظ القرآن حفظاً جيداً وحضر في الفقه والمعقول على أشياخ الوقت قبل ذلك، وكان يحفظ متن الألفية لابن مالك ويعرف معانيها ويحفظ كثيراً من المتون ويباحث ويناضل من غير ادعاء للمعرفة والعالمية، فتراه أميراً مع الأمراء ورئيساً مع الرؤساء وعالماً مع العلماء وكاتباً مع الكتاب، وولداه سليمان أفندي المتوفى سنة ثمان وتسعين وعثمان أفندي المتوفى بعده في الفصل سنة خمس ومائتين، ووالدتهما المصونة خديجة من أقارب المرحوم الوالد، وكانا ريحانتين نجيبين ذكيين مفردين، أعقب سليمان محمد أفندي وتوفي في سنة ستة عشرة وهو مقتبل الشبيبة، وحسن أفندي الموجود الآن، وأعقب عثمان أحمد وهو موجود أيضاً إلا أنه بعيد الشبه من أبيه وعمه وأولاد عمه وجده وجدته، وأما ابن عمه حسن أفندي فهو ناجب ذكي بارك الله فيه، ولما تعلل المترجم وانقطع عن النزول والركوب وحضور الدواوين قلدوا عوضه أحمد أفندي المعروف بأبي كلبة على مال دفعه فأقام في المنصب دون الشهرين، ومات أحمد أفندي، فسعى عثمان أفندي العباسي على المنصب وتقلده على رشوة لها قدر وذهب على أحمد أفندي أبو كلبة ما دفعه في الهباء، وكانت وفاة أحمد أفندي الصفائي المترجم في عشرين خلت من ربيع الثاني من السنة.
ومات العمدة المفرد والنجيب الأوحد محمد أفندي كاتب الرزق الأحباسية، وهذه الوظيفة تلقاها بالوراثة عن أبيه وجده وعرفوا اصطلاحها وأتقنوا أمرها، وكان محمد أفندي هذا لا يغرب عن ذهنه شيء يسأل عنه من أراضي الرزق بالبلاد القبلية والبحرية مع اتساع دفاترها وكثرتها ويعرف مظناتها ومن انحلت عنه ومن انتقلت إليه مع الضبط والتحرير والصيانة والرفق بالفقراء في عوائد الكتابة، وكان على قدم الخير والصلاح مقتصداً في معيشته قانعاً بوظيفته لا يتفاخر في ملبس ولا مركب، ويركب دائماً الحمار وخلفه خادمه يحمل له كيس الدفتر إذا طلع الى الديوان مع السكون والحشمة، وكان يجيد حفظ القرآن بالقراءات العشر ولم يزل هذا حاله حتى تعلل أياماً وتوفي الى رحمة الله تعالى ثامن ربيع الثاني، وتقرر في الوظيفة عوضه ابن ابنه الشاب الصالح حمودة أفندي فسار كأسلافه سيراً حسناً وقام بأعباء الوظيفة حساً ومعنى إلا أنه عاجله الحمام وانخسف بدره قبل التمام، وتوفي بعد جده بنحو سنتين وشغرت الوظيفة وابتذلت كغيرها، وهكذا عادة الدنيا.
ومات الجناب السامي والغيث الهاطل الهامي ذو المناقب السنية والأفعال المرضية والسجايا المنيفة والأخلاق الشريفة السيد السند حامي الأقطار الحجازية والبلاد التهامية والنجدية الشريف السيد سرور أمير مكة، تولى الأحكام وعمره نحو إحدى عشرة سنة، وكانت مدة ولايته قريباً من أربع عشرة سنة، وساس الأحكام أحسن سياسة وسار فيها بعدالة ورئاسة وأمن تلك الأقطار أمناً لا مزيد عليه، ومات وفي محبسه نيف وأربعمائة من العربان الرهائن، وكان لا يغفل لحظة عن النظر والتدبير في مملكته ويباشر الأمور بنفسه ويتنكر ويعس ويتفقد جميع الأمور الكلية والجزئية ولا ينام الليل قط، فيدور ثلثي الليل ويطوف حول الكعبة الثلث الأخير، ولم يزل يتنقل ويطوف حتى يصلي الصبح ثم يتوجه الى داره فينام الى الضحوة ثم يجلس للنظر في الأحكام، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ويقيم الحدود ولو على أقرب الناس إليه، فعمرت تلك النواحي وأمنت السبل وخافته العربان وأولاد الحرام فكان المسافر يسير بمفرده ليلاً في خفارته، وبالجملة فكانت أفعاله حميدة وأيامه سعيدة، لم يأت قبله مثله فيما نعلم ولم يخلفه إلا مذمم، ولما مات تولى بعده أخوه الشريف غالب وفقه الله وأصلح شأنه.

.سنة ثلاث ومائتين وألف:

ثم دخلت سنة ثلاث ومائتين وألف فكان ابتداؤها المحرم يوم الخميس وفيه زاد اجتهاد إسمعيل بك في البناء عند طرا، وأنشأ هناك قلعة بحافة البحر وجعل بها مساكن ومخازن وحواصل، وأنشأ حيطاناً وأبراجاً وكرانك وأبنية ممتدة من القلعة الى الجبل وأخرج إليها الجبخانة والذخيرة وغير ذلك.
وفي تاسعه سافر عثمان كتخدا عزبان الى اسلامبول بعرضحال بطلب عسكر وأذن باقتطاع مصاريف من الخزينة.
وفي رابع عشرينه سافر إسمعيل باشا باش الأرنؤد بجماعته ولحقوا بالغلايين والجماعة القبليون متترسون بناحية الصول وعاملون سبعة متاريس، والمراكب وصلت الى أول متراس فوجدوهم مالكين مزم الجبل فوقفوا عند أول متراس ومدافعهم تصيب المراكب ومدافع المراكب لا تصيبهم، وهم متمنعون بأنفسهم الى فوق، وانخرقت المراكب عدة مرار وطلع مرة من أهل المراكب جماعة أرادوا الكبس على المتراس الأول فخرج عليهم كمين من خلف مزرعة الذرة المزروع، فقتل من طائفة المغاربة جماعة وهرب الباقون، ونصبت رؤوس القتلى على مزاريق ليراها أهل المراكب.
وفي سادس عشرينه، سافر أيضاً عثمان بك الحسني وامتنع ذهاب السفار وإيابهم الى الجهة القبلية، وانقطع الوارد وشطح سعر الغلة وبلغ النيل غايته في الزيادة، واستمر على الأراضي من غير نقص الى آخر شهر بابه القبطي وروى جميع الأراضي.
وفي سابع عشرينه حضر سراج من عند القبليين وعلى يده مكاتبات بطلب صلح، وعلى أنهم يرجعون الى البلاد التي عينها لهم حسن باشا ويقومون بدفع المال والغلال للميري ويطلقون السبل للمسافرين والتجار، فإنهم سئموا من طول المدة ولهم مدة شهور منتظرين اللقاء مع أخصامهم، فلم يخرجوا إليهم فلا يكونون سبباً لقطع أرزاق الفقراء والمساكين، فكتبوا لهم أجوبة للإجابة لمطلوبهم بشرط إرسال رهائن وهم عثمان بك الشرقاوي وابراهيم بك الوالي ومحمد بك الألفي ومصطفى بك الكبير، ورجع الرسول بالجواب وصحبته واحد بشلي من طرف الباشا.
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟شهر صفر في غرته حضر جماعة مجاريح.
وفي ثانيه حضر المرسال الذي توجه بالرسالة وصحبته سليمان كاشف من جماعة القبليين والبشلي وآخر من طرف إسمعيل باشا الرنؤدي وأخبروا أن الجماعة لم يرضوا بإرسال رهائن، ثم أرسلوا لهم على كاشف الجيزة وصحبته رضوان كتخدا باب التفكجية، وتلطفوا معهم على أن يرسلوا عثمان بك الشرقاوي وأيوب بك فامتنعوا من ذلك، وقالوا من جملة كلامهم: لعلكم تظنون أن طلبنا في الصلح عجزاً وأننا محصورون، وتقولون بينكم في مصر إنهم يريدون بطلب الصلح التحليل على التعدية الى البر الغربي حتى يملكوا الاتساع، وإذا قصدنا ذلك أي شيء يمنعنا في أي وقت شئنا، وحيث كان الأمر كذلك فنحن لا نرضى إلا من حد أسيوط ولا نرسل رهائن ولا نتجاوز محلنا، فلما رجع الجواب بذلك في سابعه أرسل الباشا فرماناً الى إسمعيل باشا بمحاربتهم فبرز إليهم بعساكره وجميع العسكر التي بالمركب وحملوا عليهم حملة واحدة وذلك يوم الجمعة ثامنه فأخلوا لهم وملكوا منهم متراسين فخرج عليهم كمين بعد أن أظهروا الهزيمة، فقتل من العسكر جملة كبيرة ثم وقع الحرب بينهم يوم السبت ويوم الأحد، واستمرت المدافع تضرب بينهم من الجهتين والحرب قائم بينهم سجالاً وكل من الفريقين يعمل الحيل وينب الشباك على الآخر ويكمن ليلاً فيجد الرصد، ولم ينفصل بينهم الحرب على شيء.
وفي منتصفه شرع إسمعيل بك في عمل تفريدة على البلاد فقرروا على الأعلى عشرين ألف فضة والأوسط خمسة عشر والأدنى خمسة آلاف، وذلك خلاف حق الطرق وما يتبعها من الكلف، وعمل ديوان ذلك في بيت علي بك الدفتردار بحضرة الوجاقلية وكتبت دفاترها وأوراقها في مدة ثلاثة أيام.
واستهل شهر ربيع الأول، والحال على ما هو عليه وحضر مرسوم من القبليين بطلب الصلح ويطلبون من حد أسيوط الى فوق شرقاً وغرباً ولا يرسلون رهائن، ووصل ساع من ثغر إسكندرية بالبشارة لإسمعيل كتخدا حسن باشا بولاية مصر، وأن اليرق والداقم وصل والبقجي والكتخدا وأرباب المناصيب وصلوا الى الثغر، فردهم الريح عندما قربوا من المرساة الى جهة قبرص، فشرع عابدي باشا في نقل متاعه من القلعة، ولما حضر المرسول بطلب الصلح رضي المصرلية بذلك وأعادوه بالجواب.
وفي رابعه حضر أحمد آغا أغات الجملية المعروف بشويكار لتقرير ذلك فعمل عابدي باشا ديواناً اجتمع فيه الأمراء والمشايخ والاختيارية، وتكلم أحمد آغا وقال نأخذ من أسيوط الى قبلي شرقاً وغرباً بشرط أن ندفع ميري البلاد من المال والغلال ونطلق سراح المراكب والمسافرين بالغلال والأسباب، وكذلك أنتم لا تمنعون عنا الواردين بالاحتياجات إلا ما كان من آلة الحرب فلكم منعه، وبعد أن يتقرر بيننا وبينكم الصلح نكتب عرض محضر منا ومنكم الى الدولة وننظر ما يكون الجواب، فإن حضر الجواب بالعفو لنا أو تعيين أماكن لنا لا نخالف ذلك ولا نتعدى الأوامر السلطانية بشرط أن ترسلوا لنا الفرمان الذي يأتي بعينه نطلع عليه، فأجيبوا الى ذلك كله ورجع أحمد آغا بالجواب صبيحة ذلك اليوم صحبة عبد الله جاويش، وشهر حوالة والشيخ بدوي من طرف المشايخ، وحضر في أثر ذلك مراكب غلال وانحلت الأسعار وتواجدت الغلال بالرقع وكثرت بعد انقشاعهم، ثم وصلت الأخبار بأن القبليين شرعوا في عمل جسر على البحر من مراكب مرصوصة ممتدة من البر الشرقي الى البر الغربي وثبتوه وسمروه بمسامير وباطات وثقلوه بمراس وأحجار مركوزة بقرار البحر، وأظهروا أن ذلك لأجل التعدية، ورجعت المراكب وصحبتها العسكر المحاربون وإسمعيل باشا الأرنؤدي وعثمان بك الحسني والقليونجية وغيرهم وأشيع تقرير الصلح وصحته.
وفي عاشره أخبر بعض الناس قاضي العسكر أن بمدفن السلطان الغوري بداخل خزانة في القبة آثار النبي صلى الله عليه وسلم، وهي قطعة من قميصه وقطعة عصا وميل، فأحضر مباشر الوقف وطلب منه إحضار تلك الآثار وعمل لها صندوقاً ووضعها في داخل بقجة وضمخها بالطيب ووضعها على كرسي ورفعها على رأس بعض الأتباع، وركب القاضي والنائب وصحبته بعض المتعممين مشاة بين يديه يجهرون بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حتى وصلوا بها الى المدفن ووضعوها في داخل الصندوق ورفعوها في مكانها بالخزانة.
وفي يوم الإثنين سابع عشره حضر شهر حوالة وعبد الله جاويش وأخبروا بأنهم لما وصلوا الى الجماعة تركوهم ستة أيام حتى تمموا شغل الجسر وعدوا عليه البر الغربي، ثم طلبوهم فعدوا إليهم وتكلموا معهم وقالوا لهم إن عابدي باشا قرر معنا الصلح على هذه الصورة وتكفل لنا بكامل الأمور، ولكن بلغنا في هذه الأيام أنه معزول من الولاية وكيف يكون معزولاً ونعقد معه صلحاً هذا لا يكون إلا إذا حضر إليه مقرر أو تولى غيره يكون الكلام معه، وكتبوا له جوابات بذلك ورجع به الجماعة المرسلون، وأشيع عدم التمام فاضطربت الأمور وارتفعت الغلال ثانياً وغلا سعرها وشح الخبز من الأسواق.
وفي يوم الأربعاء تاسع عشره عمل الباشا ديواناً جمع فيه الأمراء والمشايخ والاختيارية والقاضي، فتكلم الباشا وقال: انظروا يا ناس هؤلاء الجماعة ما عرفنا لهم حالاً ولا ديناً ولا قاعدة ولا عهداً ولا عقداً، إنا رأينا النصارى إذا تعاقدوا على شيء لا ينقضوه ولا يختلوا عنه بدقيقة وهؤلاء الجماعة كل يوم لهم صلح ونقض وتلاعب، وإننا أجبناهم الى ما طلبوا وأعطيناهم هذه المملكة العظيمة وهي من ابتداء أسيوط الى منتهى النيل شرقاً وغرباً، ثم أنهم نكثوا ذلك وأرسلوا يحتجون بحجة باردة وإذا كنت أنا معزولاً فإن الذي يتولى بعدي لا ينقض فعلي ولا يبطله، ويقولون في جوابهم نحن عصاة وقطاع طريق، وحيث أقروا على أنفسهم بذلك وجب قتلاهم أم لا؟ فقال القاضي والمشايخ: يجب قتالهم بمجرد عصيانهم وخروجهم عن طاعة السلطان، فقال: إذا كان الأمر كذلك فإني أكتب لهم مكاتبة وأقول لهم إما أن ترجعوا وتستقروا على ما وقع عليه الصلح وإما أن أجهر لكم عساكر وأنفق عليهم من أموالكم ولا أحد يعارضني فيما أفعله وإلا تركت لكم بلدتكم وسافرت منها ولو من غير أمر الدولة، فقالوا جميعاً: نحن لا نخالف الأمر فقال أضع القبض على نسائهم وأولادهم ودورهم، وأسكن نساءهم وحريمهم في الوكائل، وأبيع تعلقاتهم وبلادهم وما تملكه نساؤهم، وأجمع ذلك جميعه وأنفقه على العسكر، وإن لم يكف ذلك تممته من مالي، فقالوا سمعنا وأطعنا، وكتبوا مكاتبة خطاباً لهم بذلك وختم عليها الباشا والأمراء وأرسلوها.
وفي يوم الأحد ثالث عشرينه نزل الآغا ونادى في الأسواق بأن كل من كان عنده وديعة للأمراء القبليين يردها لأربابها فإن ظهر بعد ثلاثة أيام عند أحد شيء استحق العقوبة وكل ذلك تدبير إسمعيل بك.
وفي يوم الثلاثاء حضر هجان وباش سراجين ابراهيم بك وأخبر أن الجماعة عزموا على الارتحال والرجوع وفك الجسر، فعمل الباشا ديواناً في صبحها وذكروا المراسلة وضمن الباشا غائلتهم وضمن المشايخ غائلة إسمعيل بك وكتبوا محضراً بذلك وختموا عليه وأرسلوه صحبة مصطفى كتخدا باش اختيار عزبان وتحقق رفع الجسر وورود بعض المراكب وانحلت الأسعار قليلاً.
واستهل شهر ربيع الثاني فيه حضر شيخ السادات الى بيته الذي عمره بجوار المشهد الحسيني وشرع في عمل المولد واعتنى بذلك ونادوا على الناس بفتح الحوانيت بالليل ووقود القناديل من باب زويلة الى بين القصرين وأحدثوا سيارات وأشاير ومواكب وأحمال قناديل ومشاعل وطبولاً وزموراً واستمر ذلك خمسة عشر يوماً وليلة.
وفي يوم الجمعة حضر عابدي باشا باستدعاء الشيخ له فتغدى ببيت الشيخ وصلى الجمعة بالمسجد وخلع على الشيخ وعلى الخطيب ثم ركب الى قصر العيني.
وفي ذلك اليوم وصل ططري من الديار الرومية وعلى يده مرسومات، فعملوا في صبحها ديواناً بقصر العيني وقرئت المرسومات، فكان مضمون أحدها تقرير العابدي باشا على ولاية مصر، والثاني الأمر والحث على حرب الأمراء القبليين وإبعادهم من القطر المصري، والثالث بطلب الإفرنجي المرهون الى الديار الرومية فلما قرئ ذلك عمل عابدي باشا شنكاً ومدافع من القصر والمراكب والقلعة وانكسف بال إسمعيل كتخدا بعد أن حضر إليه المبرش بالمنصب وأظهر البشر والعظمة، وأنفذ المبشرين ليلاً الى الأعيان ولم يصبر الى طلوع النهار حتى أنه أرسل الى محمد أفندي البكري المبشر في خامس ساعة من الليل وأعطاه مائة دينار، وحضر إليه الأمراء والعلماء في صبحها للتهنئة وثبت عند الخاص والعام ونقل عابدي باشا عزاله وحريمه الى القلعة.
وفي يوم الجمعة ثاني عشره رجع مصطفى كتخدا من ناحية قبلي وبيده جوابات وأخبر أن ابراهيم بك الكبير ترفع الى قبلي وصحبته ابراهيم بك الوالي وسليمان بك الآغا وأيوب بك وملخص الجوابات أنهم طالبون من حد المنية.
وفي يوم الأحد رابع عشره عمل الباشا ديواناً حضره المشايخ والأمراء فلم يحصل سوى سفر الإفرنجي.
وفي أواخره حضر سراج باشا ابراهيم بك وبيده جوابات يطلبون من حد منفلوط فأجيبوا الى ذلك، وكتبت لهم جوابات بذلك وسافر السراج المذكور.
واستهل شهر جمادى الأولى في غرته قلدوا غيطاس بك إمارة الحج.
وفي ثالثه وصل ططريون من البر على طريق دمياط بمكاتبات مضمونها ولاية إسمعيل كتخدا حسن باشا على مصر وأخبروا أن حسن باشا دخل الى اسلامبول في ربيع الأول ونقض ما أبرمه وكيل عابدي باشا وألبس قابجي كتخدا إسمعيل المذكور بحكم نيابته عنه قفطان المنصب ثالث ربيع الثاني وتعي قابجي الولاية وخرج من اسلامبول بعد خروج الططربيومين وحضر الططر في مدة ثلاثة وعشرين يوماً فلما وصل الططر سر إسمعيل كتخدا سروراً عظيماً وأنفذ المبشرين الى بيوت الأعيان.
وفيه ورد الخبر بانتقال الأمراء القبليين الى المنية وسافر رضوان بك الى المنوفية وقاسم بك الى الشرقية وعلي بك الحسني الى الغربية.
وفي عشرينه جمع إسمعيل بك الأمراء والوجاقلية وقال لهم أيا إخواننا إن حسن باشا أرسل يطلب مني باقي الحلوان فمن كان عنده بقية فليحضر بها ويدفعها فأحضروا حسن أفندي شقبون أفندي الديوان وحسبوا الذي طرف إسمعيل بك وجماعته فبلغ ثلثمائة وخمسين كيساً وطلع على طرف حسن بك وأتباعه نحو أربعمائة كيس، وعلى طرف علي بك الدفتردار مائة وستون كيساً وكانوا أرسلوا الى علي بك فلم يأت فقال لهم حسن بك أي شيء هذا العجب والأغراض بلاد علي بك فارسكور وبارنبال وسرس الليانة حلوانهم قليل، وزاد اللغط والكلام فقام من بينهم إسمعيل بك ونزل وركب الى جزيرة الذهب وكذلك حسن بك خرج الى قبة العزب وعلي بك ذهب الى قصر الجلفي بالشيخ قمر وأصبح علي بك وركب الى الباشا ثم رجع الى بيته، ثم أن علي بك قال لابد من تحرير حسابي وما تعاطيته وما صرفته من أيام حسن باشا الى وقتنا وما صرفته على أمير الحج تلك السنة، وادعى أمير الحج الذي هو محمد بك المبدول ببواقي ووقع على الجداوي، فاجتمعوا ببيت رضوان كتخدا تابع المجنون، وحضر حسن كتخدا علي بك وكيلاً عن مخدومه ومصطفى آغا الوكيل وكيلاً عن إسمعيل بك وحرروا الحساب فطلع على طرف علي بك ثلاثة وعشرون كيساً وطلع له بواق في البلاد نيف وأربعون كيساً.
شهر جمادى الآخرة فيه حضر فرمان من الدولة بنفي أربعة أغوات وهم عريف آغا وعلي آغا وإدريس آغا وإسمعيل آغا فحنق لذلك جوهر آغا دار السعادة وشرع في كتابة مرافعة.
وفي عاشره وصل فرمان لإسمعيل كتخدا وخوطب فيه بلفظ الوزارة.
وفي يوم الأحد عمل إسمعيل باشا المذكور ديواناً في بيته بالأزبكية وحضر الأمراء والمشايخ وقرأوا المكاتبة وفيها الأمر بحساب عابدي باشا وبعد انفضاض الديوان أمر الروزنامجي والأفندية بالذهاب الى عابدي باشا وتحرير حساب الستة أشهر من أول توت الى برمهات لأنها مدة إسمعيل باشا وما أخذه زيادة عن عوائده وأخذ منه الضربخانة وسلمها الى خازنداره وقطعوا راتبه من المذبح.
وفي عصريتها أرسل الى الوجاقلية والاختيارية فلما حضروا قال لهم إسمعيل باشا بلغني أنكم جمعتم ثمانمائة كيس فما صنعتم بها فقالوا دفعناها الى عابدي باشا وصرفها على العسكر: فقال: لأي شيء قالوا لقتل العدو قال والعدو قتل قالوا لا قال حينئذ إذا احتاج الحال ورجع العدو أطلب منكم كذلك قدرها قالوا ومن أين لنا ذلك قال إذاً اطلبوها منه واحفظوها عندكم في باب مستحفظان لوقت الاحتياج.
وفيه تواترت الأخبار باستقرار ابراهيم بك بمنفلوط وبنى له بها داراً وصحبته أيوب بك وأما مراد بك وبقية الصناجق فإنهم ترفعوا الى فوق.
وفي يوم الإثنين حضر حسن كتخدا الجربان من الروم وكان إسمعيل بك أرسل يتشفع في حضوره بسعاية محمد آغا البارودي وعلى أنه لم يكن من هذه القبيلة لأنه مملوك حسن بك أبي كرش وحسن بك مملوك سليمان آغا كتخدا الجاويشية ولما حضر أخبر أن الأمراء الرهائن أرسلوهم الى شنق قلعة منفيين بسبب مكاتبات وردت من الأمراء القبالي الى بعض متكلمين الدولة مثل القزلار وخلافه بالسعي لهم في طلب العفو، فلما حضر حسن باشا وبلغه ذلك نفاهم وأسقط رواتبهم وكانوا في منزله أعزاز ولهم رواتب وجامكية لكل شخص خمسمائة قرش في الشهر.
وفي عشرينه تحرر حساب عابدي باشا فطلع لإسمعيل باشا نحو ستمائة كيس فتجاوز له عن نصفها ودفع له ثلثمائة كيس، وطلع عليه لطرف الميري نحوها أخذوا بها عليه وثيقة وسامحه الأمراء من حسابهم معه وهادوه وأكرموه وقدموا له تقادم وأخذ في أسباب الارتحال والسفر وبرز خيامه الى بركة الحج.
وفي أواخره ورد الخبر مع السعاة بوصول الأطواخ لإسمعيل باشا واليرق والداقم الى ثغر الإسكندرية.
شهر رجب الفرد الحرام استهل بيوم السبت في ثالثه يوم الإثنين سافر عابدي باشا من البر على طريق الشام الى ديار بكر ليجمع العساكر الى قتال الموسقو وذهب من مصر بأموال عظيمة وسافر صحبته إسمعيل باشا الأرنؤدي وأبقى إسمعيل باشا من عسكر القليونجية والأرنؤدية من اختارهم لخدمته وأضافهم إليه، وفي عاشره وصلت الأطواخ والداقم الى الباشا فابتهج لذلك وأمر بعمل شنك وحراقة ببركة الأزبكية، وحضر الأمراء الى هناك ونصبوا صواري وتعاليق وعملوا حراقة ووقدة ليلتين، ثم ركب الباشا في صبح يوم الجمعة وذهب الى مقام الإمام الشافعي فزاره ورجع الى قبة العزب خارج باب النصر، ونودي في ليلتها على الموكب، فلما كان صبح يوم السبت خامس عشره خرج الأمراء والوجاقلية والعساكر الرومية والمصرلية واجتمع الناس للفرجة وانتظم الموكب أمامه وركب بالشعار القديم وعلى رأسه الطلخان والقفطان الأطلس وأمامه السعاة والجاويشية والملازمون وخلفه النوبة التركية وركب أمامه جميع الأمراء بالشعار والبيلشانات بزينتهم ونظامهم القديم المعتاد، وشق القاهرة في موكب عظيم، ولما طلع الى القلعة ضرب له المدافع من الأبراج وكان ذلك اليوم متراكم الغيوم وسح المطر من وقت ركوبه الى وقت جلوسه بالقلعة حتى ابتلت ملابسه وملابس الأمراء والعسكر وحوائجهم وهم مستبشرون بذلك، وكان ذلك اليوم خامس برمودة القبطي.
وفي يوم الثلاثاء عمل الديوان وطلع الأمراء والمشايخ وطلع الجم الكثير من الفقهاء ظانين وطامعين في الخلع، فلما قرئ التقرير في الديوان الداخل خلع على الشيخ العروسي والشيخ البكري والشيخ الحريري والشيخ الأمير والأمراء الكبار فقط ثم أن إسمعيل بك التفت الى المشايخ الحاضرين وقال تفضلوا يا أسيادنا حصلت البركة فقاموا وخرجوا.
وفي يوم الخميس عشرينه أمر الباشا المحتسب بعمل تسعيرة وتنقيص الأسعار فنقضوا سعر اللحم نصف فضة وجعلوا الضاني بستة أنصاف والجاموسي بخمسة، فشح وجوده بالأسواق وصاروا يبيعونه خفية بالزيادة ونزل سعر الأردب الغلة الى ثلاثة ريال ونصف بعد تسعة ونصف.
وفي يوم الخميس ثامن عشرينه ورد مرسوم من الدولة فعمل الباشا الديوان في ذلك اليوم وقرأوه وفيه الأمر بقراءة صحيح البخاري بالأزهر والدعاء بالنصر للسلطان على الموسقو، فإنهم تغلبوا واستولوا على قلاع ومدن عظيمة من مدن المسلمين، وكذلك يدعون له بعد الأذان في كل وقت، وأمر الباشا بتقرير عشرة من المشايخ من المذاهب الثلاثة يقرأون البخاري في كل يوم، ورتب لهم في كل يوم مائتين نصف فضة لكل مدرس عشرون نصفاً من الضربخانة ووعدهم بتقريرها لهم على الدوام بفرمان.
وفيه شرع الباشا في تبييض حيطان الجامع الأزهر بالنورة والمغرة.
وفي يوم الأحد حضر الشيخ العروسي والمشايخ وجلسوا في القبلة القديمة جلوساً عاماً، وقرأوا أجزاء من البخاري واستداموا على ذلك بقية الجمعة وقرر إسمعيل بك أيضاً عشرة من الفقهاء كذلك يقرأون أيضاً البخاري نظيراً لعشرة الأولى، وحضر الصناع وشرعوا في البياض والدهان وجلاء الأعمدة وبطل ذلك الترتيب.
شهر شعبان المكرم في ثانيه نودي بإبطال التعامل بالزيوف المغشوشة والذهب الناقص وأن الصيارفة يتخذون لهم مقصات يقطعون بها الدراهم الفضة المنحسة وكذلك الذهب المغشوش الخارج، وإذا كان الدينار ينقص ثلاثة قراريط يكون بطالاً ولا يتعامل به وإنما يباع لليهود الموردين بسعر المصاغ الى دار الضرب ليعاد جديداً، فلم يمتثل الناس لهذا الأمر ولم يوافقوا عليه واستمروا على التعامل بذلك في المبيعات وغيرها لأن غالب الذهب على هذا النقص وأكثر، وإذا بيع على سعر المصاغ خسروا فيه قريباً من النصف فلم يسهل بهم ذلك ومشوا على ما هم عليه مصطلحون فيما بينهم.
وفي أوائله أيضاً تواترت الأخبار بموت السلطان عبد الحميد حادي عشر رجب وجلوس ابن أخيه السلطان مصطفى مكانه وهو السلطان سليم خان وعمره نحو الثلاثين سنة وورد في أثر الإشاعة صحبة التجار والمسافرين دراهم وعليها اسمه وطرته ودعى له في الخطبة أول جمعة في شعبان المذكور.
وفي يوم الثلاثاء تاسعه، حضر علي بك الدفتردار من ناحية دجوة وسبب ذهابه إليها أن أولاد حبيب قتلوا عبد العلي بك بمنية عفيف بسبب حادثة هناك وكان ذلك العبد موصوفاً بالشجاعة والفروسية، فعز ذلك على علي بك فأخذ فرماناً من الباشا بركوبه على أولاد حبيب وتخريب بلدهم ونزل إليهم وصحبته باكير بك ومحمد بك المبدول، وعندما علم الحبايبة بذلك وزعوا متاعهم وارتحلوا من البلد وذهبوا الى الجزيرة، فلما وصل علي بك ومن معه الى دجوة لم يجدوا أحداً ووجدوا دورهم خالية فأمروا بهدمها هدموا مجالسهم ومقاعدهم وأوقدوا فيها النار وعملوا فردة على أهل البلد وما حولها من البلاد وطلبوا منهم كلفاً وحق طرق وتفحصوا على ودائعهم وأمانتهم وغلالهم في جيرة البلاد مثل طحلة وغيرها فأخذوها وأحاطوا بزرعهم وما وجدوه بالنواحي من بهائمهم ومواشيهم ثم تداركوا أمرهم وصالحوه بسعي الوسائط بدراهم ودفعوها ورجعوا الى وطنهم ولكن بعد خرابها وهدمها.
وفيه أرسل الباشا سلحدار بخطاب للأمراء القبالي يطلب منهم الغلال والمال الميري حكم الاتفاق.
واستهل شهر رمضان وشوال في رابعه وصل الى مصر آغا معين بإجراء السكة والخطبة باسم السلطان سليم شاه فعمل الباشا ديواناً وقرأ المرسوم الوارد بذلك بحضرة الجمع والسبب في تأخيره لهذا الوقت الاهتمام بأمر السفر واشتغال رجال الدولة بالعزلة والتولية وورد الخبر أيضاً بعزل حسن باشا من رياسة البحر الى رياسة البر وتقلدا الصدارة وتولى عوضه قبطان باشا حسين الجردلي وأخبروا أيضاً بقتل بستحي باشا.
وفي أوائله أيضاً فتحوا ميري سنة خمسة مقدمة بعجلة.
وفي أواخره حضر عثمان كتخدا عزبان من الديار الرومية وبيده أوامر وفيها الحث على محاربة الأمراء القبالي والخطاب للوجاقلية وباقي الأمراء بأن يكونوا مع إسمعيل بك بالمساعدة والإذن لهم بصرف ما يلزم صرفه من الخزينة مع تشهيل الخزينة للدولة، وفي عاشره وصل ططري وعلى يده أوامر منها حسن عيار المعاملة من الذهب والفضة وأن يكون عيار الذهب المصري تسعة عشر قيراطاً ويصرف بمائة وعشرين نصفاً بنقص أربعة أنصاف عن الواقع في الصرف بين الناس، والاسلامبولي بمائة وأربعين وينقص عشرة والفندقلي بمائتين بنقص خمسة والريال الفرانسة بمائة بنقص خمسة أيضاً والمغربي بخمسة وتسعين بنقص خمسة أيضاً وهو المعروف بأبي مدفع، والبندقي بمائتين وعشرة بنقص خمسة عشر، فنزل الآغا والوالي ونادى بذلك فخسر الناس حصة من أموالهم.
وفي غايته خرج أمير الحاج غيطاس بك بالمحمل وركب الحجاج.
وفي منتصف شهر القعدة الموافق لعاشر مسرى القبطي أو في النيل المبارك أذرع الوفاء ونزل الباشا الى فم الخليج وكسر السد بحضرته على العادة وانقضى هذا العام بحوادثه، وحصل في هذه السنة الازدلاف وتداخل العام الهلالي في الخراجي ففتحوا طلب المال الخراجي القابل قبل أوانه لضرورة الاحتياج وضيق الوارد بتعطيل الجهة القبلية واستيلاء الأمراء الخارجين عليها، ووجه إسمعيل بك الطلب من أول السنة بباقي الحلوان الذي قرره حسن باشا ثم المال الشتوي ثم الصيفي، وفي أثناء ذلك المطالبة بالفرد المتوالية المقررة على البلاد من الملتزمين ووجه على الناس قباح الرسل والمعينين من السراجين والدلاة وعسكر القليونجية فيدهمون الإنسان ويدخلون عليه في بيته مثل التجريدة الخمسة والعشرة بأيديهم البنادق والأسلحة بوجوه عابسة، فيشاغلهم ويلاطفهم ويلين خواطرهم بالإكرام فلا يزدادون إلا قسوة وفظاظة، فيعدهم على وقت آخر فيسمعونه قبيح القول ويشتطون في أجرة طريقهم وربما لم يجدوا صاحب الدار أو يكون مسافراً فيدخلون الدار وليس فيها إلا النساء ويحصل منهم ما لا خير فيه من الهجوم عليهن وربما نططن من الحيطان أو ربما هربن الى بيوت الجيران، وسافر رضوان بك قرابة علي بك الكبير الى المنوفية وأنزل بها كل بلية وعسف بالقرى عسفاً عنيفاً قبيحاً بأخذ البلص والتساويف وطلب الكلف الخارجة عن المعقول الى أن وصل الى رشيد، ثم رجع الى مولد السيد البدوي بطندتا، ثم عاد وفي كل مرة من مروره يستأنف العسف والجور وكذلك قاسم بك بالشرقية وعلي بك الحسني بالغربية، وقلد إسمعيل بك مصطفى كاشف المرابط بقلعة طرا فعسف بالمسافرين الذاهبين والآيبين الى جهة قبلي، فلا تمر عليه سفينة صاعدة أو منحدرة إلا طلبها إليه وأمر بإخراج ما فيها وتفتيشها بحجة أخذهم الاحتياجات للأمراء القبليين من الثيابوغيرها أو إرسالهم أشياء أو دراهم لبيوتهم فإن وجد بالسفينة شيئاً من ذلك نهب ما فيها من مال المسافرين والمتسببين وأخذه عن آخره وقبض عليهم وعلى الريس وحبسهم ونكل بهم ولا يطلقهم إلا بمصلحة، وإن لم يجد شيئاً فيه شبهة أخذ من السفينة ما اختاره وحجزهم فلا يطلقهم إلا بمال يأخذه منهم، وتحقق الناس فعله فصانعوه ابتداء تقية لشره وحفظاً لمالهم ومتاعهم فكان الذي يريد السفر الى قبلي بتجارة أو متاع يذهب إليه ببعض الوسائط ويصالحه بما يطيب به خاطره ويمر بسلام فلا يعرض له، وكذلك الواصلون من قبلي يأتون طائعين الى تحت القلعة ويطلع إليه الريس والمسافرون فيصالحونه، وعلم الناس هذه القاعدة واتبعوها وارتاحوا عليها في الجملة واستعوضوا الخسارة من غلو الأثمان وكذلك فعل نساء سائر الأمراء القبليين وهادينه وأرشونه عن إرسالهن الى أزواجهن من الملابس والأمتعة سراً حتى كانوا في الآخر يرسلن إليه ما يرمن إرساله وهو يرسله بمعرفته وتأتي أجوبتهم على يده الى بيوتهن خفية، واتخذ له يداً وجميلاً وطوقهم منته بذلك وشاع في بلاد الأرنؤد وجبال الروملي رغبة إسمعيل بك في العساكر فوفدوا عليه بأشكالهم المختلفة وطباعهم المنحرفة وعدم أديانهم وانعكاس أوضاعهم، فأسكن منهم طائفة بالجيزة وطائفة ببولاق وطائفة بمصر العتيقة وأجرى عليهم النفقات والعلوفات وجلب له الياسيرجية المماليك فاشترى منهم عدة وافرة وأكثرهم عزق ومشنبون وأجناس غير معهودة، واستعملهم من أول وهلة في الفروسية ولم يدربهم في آداب ولا معرفة دين ولا كتاب كل ذلك حرصاً على مقاومة الأعداء وتكثير الجيش، وتابع إرسال الهدايا والأموال والتحف الى الدولة وأحضر السروجية والصواغ والعقادين فوضعوا ستة سروج للسلطان وأولاده وذلك قبل موت السلطان عبد الحميد على طريقة وضع سروج المصريين بعبايات مزركشة وهي مع السرج والقصعة والقربوص مرصعة بالجواهر والبروق والذهب والركابات واللجامات والبلامات والشماريخ والسلاسل كلها من الذهب البندقي الكسر، والرأس والرشمات كلها من الحرير المصنوع بالمخيش وسلوك الذهب وشماريخ المرجان والزمرد، وجميع الشراريب من القصب المخيش وبها تعاليق المرجان والمعادن صناعة بديعة وكلفة ثمينة، أقاموا في صناعة ذلك عدة أيام ببيت محمد آغا البارودي واشترى كثيراً من الأواني والقدور الصيني الأسكي معدن وملأها بأنواع الشربات المصنوع من السكر المكرر كشراب البنفسج والورد والحماض والصندل المطيب بالمسك والعنبر وماء الورد والمربيات الهندية مثل مربى القرنفل وجوزبوا والبسباسة والزنجبيل والكابلي، وأرسل ذلك مع الخزينة بالبحر صحبة عثمان كتخدا عزبان ومعها عدة خيول من الجياد وأقمشة هندية وعود وعنبر وظرائف وأرزوبن وأفاويه وماء الورد المكرر وغير ذلك ولم يتفق لأحد فيما تقدم من أمراء مصر أرسل مثل ذلك ولم نسمع به ولم نره في تاريخ، فإن نهاية ما رأينا أن الأشربة يضعونها في ظروف من الفخار التي قيمة الظرف منها خمسة أنصاف أو عشرة حتى الذي يأتي من اسلامبول لخصوص السلطان وأما هذه فأقل ما فيها يساوي مائة دينار وأكثر من ذلك. ض والصندل المطيب بالمسك والعنبر وماء الورد والمربيات الهندية مثل مربى القرنفل وجوزبوا والبسباسة والزنجبيل والكابلي، وأرسل ذلك مع الخزينة بالبحر صحبة عثمان كتخدا عزبان ومعها عدة خيول من الجياد وأقمشة هندية وعود وعنبر وظرائف وأرزوبن وأفاويه وماء الورد المكرر وغير ذلك ولم يتفق لأحد فيما تقدم من أمراء مصر أرسل مثل ذلك ولم نسمع به ولم نره في تاريخ، فإن نهاية ما رأينا أن الأشربة يضعونها في ظروف من الفخار التي قيمة الظرف منها خمسة أنصاف أو عشرة حتى الذي يأتي من اسلامبول لخصوص السلطان وأما هذه فأقل ما فيها يساوي مائة دينار وأكثر من ذلك.
ومات في هذه السنة العلامة الماهر الحيسوب الفلكي أبو الإتقان الشيخ مصطفى الخياط صناعة أدرك الطبقة الأولى من أرباب الفن مثل رضوان أفندي ويوسف الكلارجي والشيخ محمد النشيلي والكرتلي والشيخ رمضان الخوانكي والشيخ محمد الغمري والشيخ الوالد حسن الجبرتي، وأخذ عنهم وتلقى منهم ومهر في الحساب والتقويم وحل الأزياج والتحاويل والحل والتركيب وتحاويل السنين وتداخل التواريخ الخمسة واستخراج بعضها من بعض وتواقيعها وكبائسها وبسائطها ومواسمها، ودلائل الأحكام والمناظرات ومظنات الكسوف والخسوف واستخراج أوقاتها ودقائقها مع الضبط والتحرير وصحة الحدس وعدم الخطأ، وأقر له أشياخه ومعاصروه بالإتقان والمعرفة، وانفرد بعد أشياخه ووفد عليه طلاب الفن وتلقوا عنه وأنجبوا وأجلهم عصرينا وشيخنا العلامة المتقن الشيخ عثمان ابن سالم الورداني أطال الله بقاءه ونفع به، ولازم المترجم المرحوم الوالد مدة مديدة وتلقى عنه وحج معه في سنة ثلاث وخمسين ومائة وألف وسمعته يقول عنه الشيخ مصطفى فريد عصره في الحسابيات، والشيخ محمد النشيلي في الرسميات، وحسن أفندي قطه مسكين في دلائل الأحكام، وكان يستخرج في كل عام دستور السنة من مقومات السيارة ومواقع التواريخ وتواقيع القبط والمواسم والأهلة، ويعرب السنة الشمسية لنفع العامة وينقل منها نسخاً كثيرة يتناولها الخاص والعام، يعلمون منها الأهلة وأوائل الشهور العربية والقبطية والرومية والعبرانية والتواقيع والمواسم وتحاويل البروج وغير ذلك، والتمس منه الأستاذ سيدي أبو الإمداد أحمد بن وفا تحريك الكواكب الثابتة لغاية سنة ثمانين ومائة وألف، فأجابه الى ذلك، واشتغل به أشهراً حتى أتم حساب أطولها وعروضها وجهاتها، ودرجات ممرها ومطالع غروبها وشروقها وتوسطها وأبعادها ومواضعها بأفق عرض مصر، بغاية التحقيق والتدقيق على أصول الرصد الجديد السمرقندي، وقام له الأستاذ بأوده ومصرفه ولوازم عياله مدة اشتغاله بذلك، وأجازه على ذلك إجازة سنية، ومات سلطان الزمان السلطان عبد الحميد بن أحمد خان، وتولى بعده ابن أخيه السلطان سليم بن مصطفى وفقه الله تعالى آمين.